6 عوامل رفعت “الهرشة السابعة” إلى صدارة الأعلى مشاهدة في رمضان 2023

0 9٬113

الأفضل، والأعمق، والأصدق، والأجرأ، والأكثر حزنا ورعبا؛ كل تلك الأوصاف أطلقها متابعو مسلسل “الهرشة السابعة” على العمل الذي نجح منذ بداية رمضان وحتى الآن في أن يكون الأكثر تداولا وإثارة للجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ومع اقتراب العمل من النهاية خلال أيام، بحثنا عن سر انبهار الجمهور بما يشاهدونه في العمل على اختلاف الفئات والأعمار والحالات الاجتماعية.

العمر الافتراضي 7 سنوات

“الهرشة السابعة” إخراج كريم الشناوي، وتأليف ورشة سرد تحت إشراف مريم نعوم وبطولة أمينة خليل وعلي قاسم ومحمد شاهين وأسماء جلال بالاشتراك مع أحمد كمال وحنان سليمان وعايدة رياض.

بمجرد الإعلان عن المسلسل، تساءل الجمهور عن معنى الاسم غير التقليدي، وهو ما اتضح أنه يُشير إلى ما يُعرف بالإنجليزية بـ(The seven-year itch) نسبة إلى التغييرات التي تحدث على الزواج بعد 7 سنوات، وأثرها على استقرار العلاقة واستمراريتها، وهو ما قدمه صانعو المسلسل عبر تناول علاقات الأبطال الزوجية، وما بها من صراعات يومية.

ورشة سرد

البطل الأول للعمل هو “ورشة سرد” لمريم نعوم ودينا نجم التي عودتنا على تقديم أعمال ثرية وملهمة، بعيدة كل البعد عن السطحية والسذاجة، وتعرف أعمالها كيف تضع العلاقات تحت عدسة مكبرة لا تعكس سوى الحقيقة.

ليست العلاقات العاطفية فحسب، بل علاقات الأهل والأبناء أيضا، كما لو كان كتّاب الورشة يملكون مشارط حادة لتشريح الرجل والمرأة والأسرة بمنتهى الحساسية والصدق، الأمر الذي جعل اسم مريم نعوم وورشة السرد على أي عمل كفيلا بحشد قطاع عريض من المشاهدين قبل بدء العرض والرهان عليه مسبقا.

مهارة الشناوي

الجندي المجهول التالي هو المخرج كريم الشناوي الذي -رغم صغر سنه- نجح عاما بعد آخر في تقديم أعمال ناجحة وجديرة بإعادة المشاهدة مع ضمان معاودة الاستمتاع كل مرة، من بينها “خلى بالك من زيزي”، و”قابيل”، و”عهد الدم”.

وهي مسلسلات -على اختلاف حبكاتها- اتسمت جميعها بمنح الأبطال فائدة الشك، ومحاولة كشف دوافعهم الخاصة ونقاط ضعفهم الإنسانية التي تدفعهم لارتكاب الأخطاء.

ولعل أهم ما يميز الشناوي، هو امتلاكه أدوات تمكّنه من تصوير أدق خلجات النفس البشرية، وإدارة النجوم بما يدفعهم للتعبير عن انفعالاتهم بكل حواسهم من نظرة عين وارتعاشة صوت وإيماءات، فيظهر الجميع على الشاشة للدرجة التي تورِّط المشاهدين معهم بين سطور الحكايات وتعقيدات الحياة.

ولمزيد من الواقعية يعتمد الشناوي على أدوات أخرى، من بينها حركة الكاميرا الهادئة التي لا يمكن الشعور بها، وتمنح الجمهور الإيحاء كما لو كان يتلصص على الأبطال من عين سحرية. بالإضافة إلى اهتمامه بالعناصر الفنية الأخرى؛ مثل الألوان، والإضاءة، والديكور، والموسيقى التصويرية التي أبدع فيها خالد كمار، وأخيرا الأغنيات الذكية والمتنوعة التي تم استغلالها لتكثيف الحالة العاطفية بنهاية كل حلقة.

واقعية مذهلة

هل تسبب “الهرشة السابعة” في إخافة الشباب من الزواج وإخافة الأزواج أنفسهم من بعضهم؟ بالنظر إلى حالة التماهي القصوى مع العمل والمشكلات التي تواجه الأبطال، يمكن القول إن العمل ربما تسبب في الذعر للمتفرجين غير المعتادين على الاقتراب من العلاقات كل هذا القدر.

جاء العمل عامرا بالمواجهات الثنائية من حلقة لأخرى، أشهرها تلك التي ظهرت في الحلقة التاسعة بين “آدم” (محمد شاهين) و”نادين” (أمينة خليل)، وطرحا خلالها كيف يرى كل منهما الآخر بمنتهى الوضوح والقسوة. مسلطين الضوء على كل التراكمات القديمة بينهما، وكاشفين عن أسباب الغضب والتعاسة، تلك التي اعتادا على التنصل منها أو التغاضي عنها خوفا من العواقب، فإذا بانفجار هائل يدمر زجاج علاقتهما الهش، ذلك لأنهما حتى حين قررا المواجهة فعلا ذلك من دون التخلي عن الأقنعة التي يستخدمانها لحماية نفسيهما من شرور العالم.

الأمر الذي بدا أشبه بالمباراة، التي يريد كل منهما الفوز بها، وتناسا أنهما معا في الفريق نفسه، وأن نجاح العلاقات قائم على الشراكة، والوصول شراكة، والخطأ شراكة، وما من طرف واحد هو السبب بمفرده في المكسب أو الخسارة.

الرجوع إلى الأصل

من أهم مميزات العمل أنه لا يطرح العلاقات بين الأبطال بمعزل عن ماضيهم أو صدماتهم السابقة وعلاقاتهم العائلية المعقدة، فجميعهم محض بشر لديهم نقاط ضعف وقوة وندبات الماضي المؤلمة.

وهو ما جعل الجمهور يستطيع النظر إلى طرفي العلاقة بميزان عادل، لا يقف بالضرورة مع طرف دون الآخر، وإنما يرى الاثنين على القدر نفسه من الصواب والخطأ.

شخصية نادين -على سبيل المثال- ليست امرأة هستيرية أو جاحدة، وإنما هي ضحية ماضيها الذي شهد مشادات مستمرة بين والدها ووالدتها التي طالما عبرت عن شعورها بالقهر وتخليها عن نفسها وأحلامها في سبيل الزواج من رجل غير مُقدّر حجم تضحياتها، الأمر الذي انعكس بوضوح على نادين وولّد لديها مخاوف من أن تلقى مصير أمها نفسه، وبالتالي تعاملت بندية مفرطة مع زوجها لحماية نفسها.

لكنها في الوقت نفسه، ظنت أن الزواج من حبيب عمرها سيقيها كل تلك المواجع، وأمام سقف توقعاتها المرتفع، ثم خوضها تجربة الأمومة لتوأمين وتحملها مسؤوليات جسيمة وثقيلة في ظل انشغال الزوج بمحاولة تأمين حياة كريمة للأسرة، سرعان ما تكسرت أحلامها على صخور الواقع والضغوط التي زادت شعورها بالخوف وعدم الأمان. فما كان منها سوى التعبير عن غضبها بحدة وانفعال من وقت لآخر ويليه الاحتماء خلف جدران صمت لا تعزل الشرور فقط عنها وإنما تعزلها هي نفسها عن شريك حياتها، آدم، الرجل العملي الذي فرضت عليه الحياة الدوران في ساقية عمل لا يحبه من أجل الحصول على دخل كافٍ.

ورغم أنه طموح ومحب لزوجته، فإنه يعاني -مثل كثيرين غيره من الرجال- من ازدواجية المعايير، فيقبل على نفسه بعض التصرفات التي يرفضها من زوجته، أو لا يُقدر ما تبذله من عطاء بالعلاقة ويتهمها بالانتقاد الدائم وعدم التقدير، ثم يفعل المثل. ومع ذلك فهو كثيرا ما يحاول بل وينجح في احتواء زوجته، من دون الحديث عن الأزمة نفسها، وبالتالي تظل الأمور مُعلّقة تنتظر أول بادرة خلاف لتنفجر في وجه الزوجين.

الحصان الأسود

في حضور الإخراج المميز، والكتابة شديدة الحرفية والغنية بالتفاصيل اليومية للحياة الحقيقية خلف الأبواب المغلقة، يظهر الأداء التمثيلي ليكمل ثلاثية النجاح.

عرف كريم الشناوي كيف يختار نجومه، على رأسهم أمينة خليل التي تعاون معها بتجاربه الرمضانية السابقة، وكذلك علي قاسم وأسماء جلال، يُضاف إليهم الحصان الأسود الحقيقي هذا العام محمد شاهين في أفضل أدواره الفنية على الإطلاق، حيث قدم الشخصية بهدوء واتزان من دون مبالغة أو جمود، ونجح في التعبير عن كل انفعالاتها بين حزن وغضب وحسرة، ذلك لأن رجال كريم الشناوي لا يهابون البكاء.

في المرتبة الثانية يأتي علي قاسم، الذي شاهدناه يمثل بالعربية والإنجليزية والفرنسية بالانسيابية والتلقائية نفسها، مقدما شخصية تقف تماما على الحافة، بين أن يحبها الجمهور أو يبغضها، لكنه لعبها بميزان شديد الحساسية والنضج.

خلف شاهين وقاسم بعدة خطوات، تقع أمينة خليل وأسماء جلال، ليس بسبب سوء الأداء بالضرورة، ولكن لأن الأولى تلعب شخصية انفعالية وحادة الطباع، أما الثانية فشخصية منغلقة على ذاتها جراء تخلّي أسرتها عنها، وهو ما جعل الجمهور ينفصل عنهما معنويا ويفقد تعاطفه معهما.

 

المصدر : الجزيرة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا