مسلسل “هيئة دبلوماسية”.. السفيرة التي أشعلت حربا في بيتها وحافظت على السلام العالمي

0 7٬260

العمل الدبلوماسي هو خط الدفاع الأخير ضد الحرب بين الأمم، فقرارات الحرب تتخذ من قبل العسكريين أو الرؤساء، بينما يكافح الدبلوماسيون لتجنبها، وهم يتميزون بأعراف قد تسبب سوء فهم للشخص العادي، وخاصة حين يرى عدوين يبتسمان ويتبادلان كلمات المجاملة، أو حين يفاجأ بحل سلمي لأزمة لم يكن أحد يتوقع نهاية لها سوى عن طريق الآلة العسكرية.

ويحتاج العمل الدبلوماسي إلى رجال أذكياء لديهم قدرات غير عادية للسيطرة على انفعالاتهم مهما كانت حدتها، ولديهم معرفة ليست قليلة بثقافات الشعوب المختلفة. بتلك الصفات -وأخرى عديدة- يمكنهم في أحيان كثيرة منع قرارات الحرب، والوصول إلى اتفاقيات للسلام والتعاون في مختلف المجالات.

وقد كان التوتر بين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة والجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة ثانية، في مرحلة سابقة، هو الأصعب والأكثر عرضة للتحول إلى اشتباك مسلح في لحظات.

مسلسل “هيئة دبلوماسية” (The Diplomat)، الذي يعرض حاليا على شاشة منصة نتفليكس، يقدم حدثا عسكريا تحيط به دراما متخيلة لصراع يدور في كواليس وزارتي الخارجية في الولايات المتحدة الأميركية وفي المملكة المتحدة، وصراع آخر زوجي بين سفيرة تنطلق بسرعة الصاروخ إلى منصب أعلى في الإدارة الأميركية، وبين زوجها السفير اللامع العبقري المنفلت من معايير الرصانة والقنوات العلنية للعمل الدبلوماسي.

نجحت وسائل الزوجين في منع نشوب حرب إقليمية، لكنها حتى نهاية الجزء الأول من المسلسل لم تنجح في إنهاء الحرب بينهما.

يتم اختيار الدبلوماسية المحترفة كيت وايلر (التي لعبت دورها الممثلة كيري روسيل) لمنصب سفيرة للولايات المتحدة الأميركية في إنجلترا في خضم أزمة دولية، حيث حدث هجوم على سفينة بريطانية في الخليج العربي.

يضع المنصب الجديد زواج كيت على المحك، فزوجها سفير معروف (يلعب دوره الممثل روفيوس سيويل)، لكن عمله يكاد يكون مجمدا بسبب طرقه غير التقليدية، وهو أيضا يقوم بدور المرشد والأستاذ لزوجته، وتتخذ العلاقة بينهما شكلا معقدا، فهو يحاول مساعدتها، لكن تلك المساعدة تبدو كأنها تجعله يبرز في المنصب بكفاءته أكثر منها، وهو ما يهدد العلاقة بينهما بالانهيار.

وايلر تدرك أن رئيس الوزراء البريطاني تروبريدج (روري كاينير) مصمم على ضرب إيران، ويحاول توريط رئيس الولايات المتحدة في الأمر، فتبذل الكثير لمنع الحرب، خاصة أنها قد تأكدت أن الجهة التي هاجمت السفينة البريطانية ليست إيرانية، لكن رئيس الوزراء البريطاني الذي يبدو متشددا ومندفعا لا يتوقف عن طلب خطط لضرب أهداف إيرانية، ثم ينتقل لطلب خطط لضرب أطراف روسية.

وتستعين وايلر -التي راكمت خبرة في أفغانستان والشرق الأوسط- بعلاقات زوجها، وتبني علاقة قوية مع وزير الخارجية البريطاني، وتكتشف أن الفاعل هو مرتزق روسي تم توظيفه من قبل طرف خفي ليس روسيّا أو ايرانيّا، ولكنه غربي، وقد يكون رئيس الوزراء البريطاني نفسه.

 الماء والنار

استطاعت المخرجة والمؤلفة ديبورا كوهن أن تقدم عملا أنيقا رغم الاستعارات البصرية المبتذلة، واللغة الكاشفة للعورات الاجتماعية والسياسية، وحرصت على إظهار أجواء الفخامة والثراء التي يتحرك فيها الدبلوماسيون، لكنهم لا يستطيعون الاستمتاع بها.

وجاء أداء كل من الممثل المخضرم روفيوس سيويل وكيري روسيل مناسبين لدوريهما في مباراة أداء رائعة أظهرت التناقض بين رجل يعرف حقائق العلاقات الدولية جيدا ويعرف كيف يقتنص الحلول دون النظر للوسائل، ولكنها الأسباب نفسها التي تؤدي إلى تجميد عمله، وبين امرأة متفانية تتمسك بالإجراءات وتمتلك من الاستقامة والقوة ما يجعلها تصمد في معارك لا يصمد فيها أقوى الرجال. سيويل وروسيل يشكلان معا ما يشبه الماء والنار، ويؤديان الدورين بانسجام وتناغم مدهش.

كوهن نفسها قدمت في عدة مشاهد مثيرة للجدل السفيرة الأميركية وقد فرض عليها فريقها ارتداء ملابس معينة جعلتها أكثر شبها بأميرة محددة، وهي الليدي ديانا الزوجة السابقة للملك تشارلز (ولي العهد حينها)، لتشير المؤلفة إلى أن السفيرة الأميركية بمثابة فرد من العائلة المالكة يلعب دورا سياسيا.

ثمة ظلال من المسلسل الواسع الشهرة “بيت الورق” (House of Cards) الذي لعب بطولته كيفين سبيسي، ودارت أحداثه في كواليس الرئاسة الأميركية، لكن الفارق هنا هو الانطلاق إلى لعب الورق في العلاقات الدولية وإسقاط صورة رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون على شخصية رئيس الوزراء المتهور في مسلسل “هيئة دبلوماسية”، ووصمه بالإجرام ومحاولته توجيه ضربة عسكرية لأي دولة طمعا في مجموعة أصوات انتخابية.

مزيج مخيف

في العمل نجد خطا دراميا متصاعدا يرصد أزمة دولية قد تؤدي إلى حرب إقليمية مدمرة، وكواليس صناعة القرار في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على مستوى الوزراء والسفراء والرؤساء، أما الخط الموازي فهو عبارة عن علاقة زوجية تتأرجح بين الكراهية إلى حد الاعتداء بالضرب (السفيرة تضرب زوجها) وبين عدم قدرة الزوجين على الفراق.

تحاول الزوجة السفيرة الفصل بين مشاعرها كتلميذة لزوجها وبين ميلها الغرامي ناحية وزير الخارجية البريطاني، في الوقت الذي تحاول فيه الفصل بين العداء الغربي لإيران وبين كون إيران لم تضرب السفينة العسكرية الإنجليزية في الخليج، ومن ثم لا يمكن رد الضربة إليها.

قدم مبدع العمل معطيات مبدئية للشخصيات تمهيدا لذلك السلوك الغريب، إذ يظهر سلوك السفيرة غير تقليدي، فهي متفانية إلى حد الجنون في عملها، لا تشغلها الأناقة أو الجمال أو أي من تلك المجالات التي تعد محور حياة المرأة العادية، وعلى العكس تتمتع السفيرة -الصريحة إلى حد الوقاحة أحيانا حتى مع الرئيس الأميركي نفسه- بحياء طفلة حين يصل الحوار إلى المساحات الشخصية والخاصة.

كشف الكاتب عن وجود قنوات خلفية دائما بين الدول حتى لو لم تكن بينها علاقات دبلوماسية، كما كشف عن تلك القدرات الجبارة للقيادات الوسطى وموظفي البيروقراطية الوسطى في الدول، حيث يستطيعون تشكيل المشهد السياسي طبقا لقناعاتهم وللنتائج التي يرغبون فيها، ويحدث ذلك من خلال إلغاء زيارة رئاسية لمكان ما بحجة المخاوف الأمنية، أو غيرها من الوسائل التي تصنع صورة مختلفة أمام المسؤول ليتخذ في النهاية القرارات التي يسوقونه إليها.

يمزج العمل بين السياسة -وهي ما يحكم الدول والعالم والعلاقات الدولية- وبين ما يحكم المجتمعات، حيث الأسرة هي الوحدة الأساسية لبناء المجتمع، والزواج هو المؤسسة الاجتماعية الأكثر تأثيرا وتأثرا بالمتغيرات.

يهدف هذا التوازي بين الخطين إلى خلق تحديات للأبطال على المستوى الشخصي تعمل كمحفزات للنجاح في حل القضايا الموضوعية، وهنا مثلا محاولة لإنجاح زواج منهار بين سفيرة وزوجها للحفاظ على النجاح المهني وسعيا لمنصب أكبر لكل منهما، فالسفيرة مرشحة لمنصب نائب الرئيس، أما الزوج فمرشح لمنصب وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية.

ثمة مثلث لم يملّ المخرج والكاتب من الإشارة إليه، وهو ذلك الإعجاب المتبادل بين وزير الخارجية البريطاني والسفيرة الأميركية بعلم زوجها الذي يعرض عليها الاستمرار في الزواج رسميا فقط، على أن تطور علاقتها مع الوزير البريطاني، وهو أمر غير أخلاقي، لكنه يوضح إلى أي حضيض يمكن أن تصل العلاقات الدولية وتصبغ العلاقات الشخصية بنفس صبغتها.

تلك الصبغة -التي جعلت الزوج نفسه أو السفير الذي اشتهر باستخدام القنوات الخلفية للتواصل مع دول ليس لها علاقات معلنة مع الولايات المتحدة- وإن كانت تهدف إلى وقف التوترات السياسية، فإنها تحمل ازدواجية قيمية انتقلت إلى الحياة الشخصية لصناع القرارات، فساقتهم إلى انحطاط أخلاقي.

المصدر : الجزيرة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا