“كريد 3”.. أسطورة روكي تستمر دون ظهور سلفستر ستالون

0 8٬177

في عام 1976 عُرض فيلم رياضي تحت اسم “روكي” (Rocky)، فيلم صغير بكل المقاييس، ميزانية صغيرة، وممثل مغمور لم يقدم فقط الدور الرئيسي بل كتب السيناريو بنفسه، اعتبره الكثيرون مغامرة فاشلة، ولكنه غيّر تاريخ صناعة السينما، وأصبح أهم فيلم رياضي لما يقرب من 50 عاما، وجعل من بطله سلفستر ستالون أسطورة عصره.

تحوّل الفيلم إلى سلسلة، ثم إلى سلسلة مشتقة باسم “كريد” (Creed)، ومرة أخرى تستمر قصة النجاح، وينجح الفيلم، وها نحن الآن نشاهد الجزء الثالث من “كريد”، الذي يجمع بين النجاح التجاري والنقدي كما ينبغي لأسطورة كُتب لها النجاح.

قصص المستضعفين الناجحة

في السبعينيات كان سيلفستر ستالون مجرد ممثل لا يعرفه أحد، كتب سيناريو عن ملاكم من أحد أحياء فيلادلفيا الفقيرة، يسعى للثراء والاستقرار العاطفي مع “أدريان”. تأتي ضربة الحظ عندما يقرر بطل العالم في الملاكمة أبولو كريد إجراء مباراة معه، ليثبت نجاحه وقوته أمام منافس مغمور، ولكن لم يتخيل أن اللاعب الأقرب للهواية منه إلى الاحتراف يستطيع الصمود أمامه في الحلبة حتى الجولة النهائية.

سعى ستالون بالسيناريو الخاص به بين الأستوديوهات المختلفة، أغلبهم وافق على إنتاجه ولكن بشرط واحد فقط ألا يقدم دور البطولة، وهو الأمر الذي رفضه، على الرغم من الصعوبات المادية التي يمر بها. وبعد هذا الإصرار المستمر، استطاع في النهاية تقديم فيلمه من بطولته وبرؤيته الخاصة.

نجح الفيلم بشكل لم يتخيله أحد، وعاد ستالون لدور روكي بعد ذلك 7 مرات إضافية، وذلك عبر 6 أفلام ضمن سلسلة روكي، وفيلمين ضمن سلسلة “كريد” الجديدة.

واحد من أسباب نجاح فيلم “روكي” بأجزائه التالية أنه قصة أحد المستضعفين في الأرض، أميركي من أصول إيطالية، يعيش على هامش الحياة، وحتى بعد نجاحه الكبير لم يستطع الخروج من هذه الدائرة، فمع كل جزء جديد يتعرض لعقبة تعيده لنقطة الصفر، مثل إهدار شقيق زوجته كل ثروته، أو إصابته نتيجة لمباراة واضطراره للتوقف عن اللعب وبالتالي فقدان مصدر دخله.

سلسلة أفلام “كريد” قدمت كذلك الفكرة نفسها، ولكن هذه المرة قدمت قصة أدونيس كريد، الابن غير الشرعي للاعب الراحل أبولو كريد، الذي فتح الطريق لروكي في الماضي.

كريد الابن شاب أسود عاش طفولته في ملجأ الأيتام، حيث تربى على القسوة والفقر قبل أن تنتشله من هذه البيئة زوجة والده السابقة، وتقرر تبنيه وتربيته كابن لها، شرط الابتعاد عن الملاكمة التي قتلت والده، ولكنه يسعى لروكي حتى يصبح مدربه ويساعده على الوصول للمجد الرياضي.

يتماهى المشاهدون بسهولة مع قصص الشخصيات التي يعتقدون أنها تشبههم، فالبطل لم يحصل على فرصة إظهار موهبته، ثم يحالفه بعض الحظ مع الكثير من الجهد المبذول فيحقق المستحيل. يتعرض للكثير من العثرات والخسارات بالتأكيد لكن يمتلك بداخله ما يدفعه لإكمال الطريق.

 

المجد للأفلام البسيطة

فيلم “كريد 3” هو أول التجارب الإخراجية لمايكل ب. جوردون بعدما أخرج الجزءين الأول والثاني المخرج ريان كوغلر، يمكن اعتبار هذه الخطوة منطقية في مشروع كريد، وبمثابة بداية لمشروع جوردون الشخصي الذي ستبنى عليه كامل مسيرته القادمة.

شجاعة هذه الخطوة تظهر من كون “كريد 3” أول أفلام السلسلة من دون سلفستر ستالون، الذي شارك في العمل منتجا تنفيذيا فقط، وبالتالي غاب عامل نجاح كبير للسلسلة، بدا الأمر كما لو أن ستالون قرر تمرير الشعلة لجوردون، ليصبح حامل لواء أشهر الأفلام الرياضية على الإطلاق، العبء الذي حمله الأخير بشجاعة ومهنية واضحة لا تشي بأنها تجربة أولى.

كان على جوردون استغلال العوامل الأساسية في الأفلام الثمانية السابقة، ولكن مع البناء عليها بحيث تظهر طازجة ومختلفة، نلاحظ ذلك بداية من الموسيقى التصويرية التي اسُتخدمت فيها ثيمات أساسية من موسيقى “روكي” الأصلية، ولكن مع تلوينها بموسيقى الراب التي ارتبطت بذوي الأصول الأفريقية.

روكي الأميركي المهمش ذو الأصول الإيطالية، تختلف تجربته بالكامل مع تجربة أدونيس كريد المنحدر من أصول أفريقية، تلك نقطة فاصلة تم استخدامها بخفة دون الضغط على أجندات مضادة للعنصرية والتمييز على أساس العرق، فقط تعطي المشاهد الفرصة لاستنتاج كل ذلك بنفسه.

تدور أحداث هذا الجزء حول كريد الذي قرر الاعتزال وبدء حياة أكثر استقرارا وهدوءا مع زوجته وابنته، ولكن يعكر صفوها عودة صديقه داميان لحياته، الذي كان زميله في ملجأ الأيتام، ودخل إلى السجن بعد إلقاء القبض عليه حاملا سلاحا ناريا مدافعا عن كريد نفسه.

سُجن داميان 18 عاما، لم يشر سيناريو الفيلم بشكل واضح إلى الظلم الذي يتعرض له أصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة، أو يحاول إدانة الشرطة التي تعدّ كل يافع ببشرة داكنة مشروع مجرم، ويؤدي النظام القضائي غير العادل في الكثير من الأحيان إلى تحويلهم بالفعل إلى مجرمين، ولكن تلك الفرضية كانت حاضرة في رسم مشهد إلقاء القبض على داميان وإنهاء مستقبله قبل بدايته.

لم يحاول مايكل ب. جوردون في أول تجربة له كمخرج أن يستعرض أو يظهر مواهبه دفعة واحدة، ولكن سعى لصنع فيلم محكم بمساعدة ريان كلوغر في السيناريو، وسلفستر ستالون في الإنتاج، ووضع قدمه على بداية الطريق بوصفه صانع أفلام يفهم السينما ويقدم أعمالا تشبهه وتشبه القضايا التي يؤمن بها.

فيلم “كريد 3” حقق 124 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، مما يجعله ثامن أعلى فيلم في عام 2023، مع معدل تقييم 88% من النقاد و96% من الجمهور على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes).

المصدر : الجزيرة + وكالات

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا