فيلم نارفيك.. كيف أصبحت الخيانة بطولة؟

0 9٬124

رغم إعلان مملكة النرويج حيادها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية فإن شظايا القتال الضاري في أوروبا أصابها في الحالين -خاصة في الحرب العالمية الثانية- وتم احتلالها بالفعل.

لكن أحفاد الفايكنغ لم يتوقفوا عن المقاومة يوما حتى انتهت الحرب العالمية الثانية، ونالت شظايا الحرب من النرويج رغم موقفها بسبب المميزات النوعية التي تمتعت بها بعض موانئها التي كانت مثار طمع القوات الألمانية والبريطانية والفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية.

وكانت بلدة نارفيك الواقعة على بحر النرويج ذات أهمية قصوى، نظرا لحاجة الجيش الألماني إلى خام الحديد والاعتماد على ميناء البلدة الصغيرة في نقله.

وأدركت بريطانيا أن قطع إمداد الحديد عن خصمها الألماني سيعد خطوة مهمة في طريق حسم الحرب، وفي الوقت نفسه أرسلت ألمانيا قواتها إلى البلدة الصغيرة، فتحولت نارفيك إلى ميدان لحرب ليست طرفا حقيقيا فيها.

قاوم أهالي البلدة الاحتلال الألماني لها، وتلقت القوات الألمانية أولى هزائمها في الحرب العالمية الثانية على أيديهم عام 1940، لكن هذا النصر لم يستمر، إذ حولت القوات الألمانية البلدة والميناء إلى كومة من التراب والحطام.

ويأتي فيلم “نارفيك.. الهزيمة الأولى لهتلر” (Narvik: Hitler’s First Defeat) للمخرج إريك سكجولدبيارغ -والذي يعرض حاليا على شاشة نتفليكس- ليوثق تلك المقاومة في إطار قصة إنسانية تظهر بشاعة الحرب وصعوبة الاختيارات التي يضطر إليها الشخص حين يجد نفسه بين النار والدماء.

معنى الوطن
وتدور أحداث الفيلم حول الجندي غونار (كارل مارتن إيغيسبو) الذي يعود إلى بيته في إجازة قصيرة لعدة ساعات، ليزور زوجته أنغريد (كريستين هارتغن) وابنه أولي (كريستوف غيلفرت ماتيسين) ووالده أسلاك توفته (ستيغ هنريك هوف)، وحين يعود إلى معسكره يجد قائده على وشك الاستسلام للألمان.

لكن غونار ورفاقه من الحراس النرويجيين قليلي التسليح يرفضون ويخرجون من البلدة ليقاوموا الألمان من الخارج، أما زوجته -التي تعمل في فندق المدينة- فتضطر للعمل في الترجمة للألمان، ولكنها تساعد الإنجليز بشكل سري على الهروب والاختفاء عن عيون أعدائهم.

يصاب الابن بشظية ويقتل الجد نتيجة القصف الألماني، وتلجأ الزوجة “أنغريد” إلى الضباط الألمان بحثا عن طبيب ينقذ طفلها من الموت، وتضطر للاعتراف بالمكان الذي أخفت فيه الدبلوماسيين الإنجليز مقابل علاج الطفل، ويتم القبض عليهم، ويعرف أهل البلدة أنها تعاونت مع الألمان.

يعود غونار إلى البلدة بعد الانتصار على هتلر، ويفاجأ بما فعلته زوجته، فينضم إلى أهل البلدة في اتهامها بالخيانة، وبينما تبرر ما فعلته بأنه كان لحماية ابنهما يطردها من البلدة.

يبدأ الفيلم بسلسلة من اللقطات التسجيلية لهتلر مع مساعديه من قادة الحرب وأمامهم الخرائط، ثم يتابع التعليق الصوتي السرد حول خام الحديد الذي يتم نقله من السويد إلى نارفيك في النرويج ثم إلى ألمانيا.

يتوقف السارد عند نقطة زمنية محددة، وهي خرق الحياد النرويجي ووصول القوات الألمانية إلى نارفيك بعد تلغيم القوات الإنجليزية المياه الإقليمية للنرويج.

تنتقل الكاميرا إلى المساحات الشاسعة للماء والجليد أثناء انتقال الجنود للحفاظ على الحياد الذي انتهى، لنتابع مشاهد تحمل من الضيق بقدر ما في الأرض من براح، حيث يغلق الضباب الأفق أمام المستقبل، ويعوق الجليد الكثيف مسيرة الجنود، لتتحقق النبوءة البصرية سريعا ويكتشف الجنود أن بلدتهم تم احتلالها.

يتم تكليف غونار بتفجير جسر لإعاقة حركة الألمان، وهي مهمة انتحارية سوف تؤدي به إلى أن يصبح أسيرا في أحسن الأحوال، وبالفعل يتم أسره، لكنه يهرب ويلتقي رفاقه المنتصرين، فيما يحاول القنصل الإنجليزي دفع زوجته إلى إغواء الألمان والحصول على خططهم للسيطرة على نارفيك.

إيقاع أوروبي
يظهر الفارق واضحا بين السينما الأميركية والأوروبية في أفلام الأكشن والأفلام الحربية، حيث تمنح المشاهد الحربية الأوروبية المشاهد فرصة للنظر والتأمل في المشهد وتنشغل بتفاصيله، فيما يسعى المونتاج الهوليودي إلى تقييد المشاهد بمتابعة السرد السريع اللاهث، وينجلي هذا المعنى في مشاهد القتال التي تحمل الكثير من المصداقية لكونها أقرب إلى الفعل الإنساني بعيدا عن سلوك البطل الأميركي الخارق في الأفلام الحربية الأميركية.

ورغم تفاوت إيقاع المشاهد بين مشهد طويل جدا وآخر قصير مما يخل بإيقاع الفيلم عموما فإن جودة التصوير وبراعة مديره -خاصة في مشهد تفجير الجسر- كانت واضحة، فقد فر الطفل “أولي” من والدته إلى الجسر الذي وضع والده الديناميت أسفله لتفجيره، وبين لقطات واسعة للأم التي تبحث عن طفلها على الجسر ولقطات مقربة للأب المعلق أسفل الجسر يحاول تلغيمه جاءت مشاعر غامرة من الإثارة والخوف والإشفاق.

قدمت الممثلة النرويجية كريستين هارتغن دور الزوجة والأم إنغريد توفته بشكل جيد، خاصة في مشهد طردها من البلدة وسقوط حقيبتها لتجلس على الأرض وتجمع متعلقاتها التي تبعثرت، ويظهر أمامها زوجها غونار بعد إدراكه حقيقة كونها تدافع عن ابنهما.

كانت نظرة الممثلة المتميزة بألف جملة، إذ عبرت بصمت عن الحب والقوة التي استمدتها من حبها لابنها، والضعف الذي سببه عدم قدرة زوجها على فهم الموقف الذي يطرح السؤال الأعمق: هل تترك ابنها للموت مقابل الحفاظ على القنصل البريطاني الذي تحميه دولة بكاملها؟ أم تحمي ابنها الذي لا يوجد من يحميه سواها بتسليم القنصل؟

المستقبل
جسّد الممثل ستيغ هنريك هوف دور الجد أسلاك توفته، وهو جد حنون يقوم على رعاية حفيده وزوجة ابنه في غياب الابن، لكنه يقتل في إحدى غارات القوات الألمانية، أما الابن فهو كارل مارتن إيغيسبو أو غونار، وتبقى البطولة الحقيقية في العمل للطفل الذي تم إنقاذه من الموت مقابل الاعتراف بمكان اختفاء القنصل.

يرسم صناع فيلم “نارفيك” مثلثا مكونا من 3 رؤوس هي الجد والأب والحفيد، وبينما يدافع الجميع عن البلدة فإنهم يدافعون عن المستقبل الذي يعتبر الطفل رمزا له.

وهنا يتماهى المعنى الذي يطرحه العمل بشكل مباشر حول امرأة عرف عنها التعامل مع المحتل الألماني واعتبرت خائنة مع معنى الدفاع عن المستقبل المتمثل في الابن، خاصة أن الإنجليز والألمان يقصفون بعضهم البعض في المدينة في المشهد قبل الأخير من العمل، مما يؤكد أن الطرفين يخوضان حربهما بصرف النظر عن مصير نارفيك وأهلها، وأن على هؤلاء الأهل أن يحموا أنفسهم دون النظر إلى تحالفات زائفة.

المصدر : الجزيرة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا