“طائرة”.. هل تضمن الفيلم رسائل عنصرية ضد السود؟

0 6٬907

تقدم الأفلام متعة وتسلية لمشاهديها، لكنها تعد في الوقت ذاته مصيدة حقيقية للوجدان، إذ تتحول الرسائل البصرية التي تحتويها إلى جزء من البنية الشعورية والوجدانية للمشاهدين. وتصبح الخطورة أشد حين تكون تلك الأفلام جاذبة بشكل خاص للمراهقين حول العالم، الذين يقبلون كل ما تعرضه الشاشة ويحاولون تقليده.

وتعتبر أفلام الحركة (الأكشن) الأشد جذبا للشباب منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن، لكن هذا النوع يحفل بالكثير من الإشارات والرسائل العنصرية بدءا من اختيار شخص ذي أصول غير بيضاء (أسود أو ملون) لدور الشرير، ومرورا بتصوير سفر البطل الأبيض إلى مناطق آسيا وأفريقيا باعتباره مخاطرة حقيقية، نظرا لاحتمالات القتل أو السرقة أو الاختطاف وطلب الفدية.

وقد أدى ذلك التراكم دوره بالفعل في الغرب، إذ التصقت صورة المجرم بالشخص غير الأبيض. ورغم المحاولات الكثيرة لكسر هذه الصور النمطية، فإن محاولات إرضاء الوجدان الذي شكلته السينما سابقا في الثمانينيات والتسعينيات تدفع صناع هذه الأفلام إلى تكرار اختياراتهم التمييزية.

ومن بين تلك الأفلام يأتي فيلم “طائرة” (Plane)، الذي يعرض حاليا في الولايات المتحدة وكندا للمخرج الفرنسي جان فرانسوا راشيت وبطولة الأسكتلندي جيرارد باتلر.

تدور أحداث “طائرة” حول الطيار ذي الأصول الأسكتلندية برودي تورانس (الممثل جيرارد باتلر) الذي ينقذ ركابه من ضربة صاعقة عن طريق الهبوط المحفوف بالمخاطر على جزيرة مزقتها الحرب، ليكتشف أن النجاة من الهبوط كانت مجرد البداية.

عندما يتم أخذ معظم الركاب رهائن من قبل عصابة متمردين خطرين، فإن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يعتمد عليه تورانس للمساعدة هو لويس غاسبر ( الممثل مايك كولتر)، القاتل المتهم الذي كان ينقله ضابط من مكتب التحقيقات الفدرالي. ومن أجل إنقاذ الركاب، يحتاج تورانس إلى مساعدة غاسبر، الذي يكشف الموقف طبيعته ورغبته في المساعدة.

اعتبر جيرارد باتلر واحدا من نجوم الصف الأول في هوليوود عقب تقديمه دور ليونيداس في فيلم “300” عام 2007 الذي تحول نجاحه إلى ظاهرة ودارت أحداثه حول ليونيداس ملك أسبرطة ومعه قوة من 300 رجل يقاتلون الفرس عام 480 قبل الميلاد.

قدم باتلر دور جيمس بوند في فيلم “الغد لا يموت أبدا” 1997 (Tomorrow Never Dies)، وقدم بعد ذلك عددا من الأفلام مع كبار نجوم السينما التجارية في هوليود وبينهم أنجلينا جولي.

نقاش كاشف

طائرة صغيرة على وشك الإقلاع، يتلقى الطيار أوامره من الشركة الأميركية المالكة حول خط سيره في ظل أجواء لا تبشر بالخير، ويرشده المسؤولون لطريق مختصر، لكنه يلفت أنظارهم إلى خطورة الأجواء ويقترح طريقا آمنا، لكن مسؤول الشركة يحسم الأمر مؤكدا أنها تعليمات الشركة لتوفير للوقود.

يذهب الطيار ليودع ابنته الوحيدة التي فقدت والدتها منذ سنوات، مع وعد بالاحتفال بأعياد رأس السنة معها، ويعود ليبدأ رحلته.

تنقضي دقائق قليلة بعد الإقلاع، ليبدأ التوتر والإثارة، ومعهما استعراض لمهارات المخرج جان فرانسوا راشيت في صناعة المشاهد داخل المساحات الضيقة بين مقاعد الركاب وكابينة القائد ومساعده.

تبدأ الموسيقى التصويرية في لعب دور كبير بعد الهبوط في جزيرة تخضع لسيطرة العصابات في الفلبين، حيث تبدأ نغمات التحذير في التصاعد في الفراغات الحوارية الكثيرة التي منحت الصورة والموسيقى مساحات للحكي دون الحاجة للحوار.

لقي شخصان مصرعهما أثناء الهبوط، وهما إحدى المضيفات والضابط الفدرالي الذي كان ينقل القاتل غاسبر، ويقرر الطيار الذي يشعر بمسؤولية شخصية عن ركابه إبعاد القاتل عنهم باصطحابه للبحث عن أية وسيلة للاتصال بالشركة، خاصة بعد أن تأكد من توقف جميع أجهزة الطائرة عن العمل، ويكتشف الطيار أن القاتل غاسبر كان مقاتلا في الجيش الفرنسي.

يسير الطيار والقاتل في الغابات بعد أن يكتشف أن الموقع الذي هبط فيه تابع لدولة الفلبين، ويفاجأ بهروب رفيقه بعد مسافة قصيرة، لكن ذلك الرفيق الهارب غاسبر يعود لينقذه، ويعاونه على إنقاذ طاقمه والدفاع عنه حتى النهاية ومن ثم يسرق المال ويهرب وحيدا.

الإيقاع

الإيقاع هو بطل الفيلم بلا منازع، فقد استطاع جان فرانسوا راشيت أن يضبط المساحات الزمنية والتحولات الدرامية بشكل يدفع المشاهد للتعلق بالشاشة طوال 115 دقيقة.

بدأت مشاهد العمل هادئة، إلى أن جاء التحول الأول مع عاصفة تضرب الطائرة وتعطل أغلب أجهزتها. وجود قاتل مقيد، ثم الاختيار الصفري بالهبوط الاضطراري في جزيرة فلبينية غير خاضعة لسلطة الدولة، ثم عدم وجود أي وسيلة للمساعدة في المكان أو بالقرب منه، والبحث عن وسيلة اتصال، إلى أن يقع الحدث الدرامي الأكبر، حيث يتم اختطاف الركاب من قبل عصابة محلية، ويسعى الطيار لإنقاذهم، وعلى التوازي يتخذ مدير شركة الطيران موقفا متخاذلا، ويمارس الكذب على الإعلام.

لم ينجح كاتب السيناريو في بناء قصة شخصية قوية للطيار، فهو مجرد أرمل لديه ابنة وحيدة يحمل صورتها طوال الوقت ويرغب في العودة إليها كما وعدها للاحتفال بأعياد رأس السنة.

ثمة فارق كبير بين مبرر قوي يصلح للمخاطرة بحياة الشخص ومواجهة الرصاص والاستسلام لعصابات من القتلة كالانتقام أو الهروب، وبين ذلك المبرر الذي جاء في قصة الفيلم وهو يصلح لرفض الاقتران بزوجة جديدة حماية للابنة، ذلك أن القصة السينمائية إن لم تكن واضحة وحادة وصفرية، لن تفلح في بناء مبررات قوية للاستمرار في مشاهدتها.

ولعل المصادفات العجيبة التي جاءت لحل العقد الدرامية في الفيلم لا تقل هشاشة عن القصة الشخصية للبطل، فقد اكتشف مساعد الطيار أن أجهزة الطائرة تعمل رغم تأكده من قبل أنها لا تعمل، وهو ما مكن الجميع من الهرب في النهاية، أما المصادفة الأعجب فهي عودة غاسبر بعد هروبه في المرة الأولى وهو يحمل سلاحا لحماية الطيار، ليأتي السؤال الساخر عن سبب هروبه ومبرر عودته.

ترفيه ولكن

قدم الفيلم 4 نساء، قتلت أولاهن في الطائرة أثناء الهبوط، والثانية قتلت برصاص عصابة الخاطفين، أما الثالثة فكانت المضيفة التي بقيت على قيد الحياة ولم تقدم مشهدا كاملا سوى في النهاية حين شكرت الطيار على إنقاذه للركاب، أما الرابعة فهي الابنة التي حاول صناع العمل جعلها محورا له، لكن ندرة مشاهدها التي لم يتجاوز عددها 4 مشاهد جعلت منها مجرد طيف مر على الفيلم دون أن يترك أثرا يذكر.

ولعل ذلك الوجود الضعيف للمرأة في العمل جزء من ذلك التمييز الذي جعل غاسبر ذاك القاتل من أصول أفريقية، وجعل أراضي الفلبين مرتعا لعصابات الخطف والسرقة، فلم يبق للعمل إلا أن يقدم المرأة باعتبارها كومبارس.

المصدر : الجزيرة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا