د. يوسف جبارين لـ”الصنارة”: مستند رئيس الدولة عبارة عن تسوية يهودية حصرية وجاء لتخفيف حدّة مقترحات الإئتلاف الحكومي

0 9٬424

*بموجب مقترحات التسوية ستكون قوانين الأساس محصنة وسيكون من الصعب إبطال قوانين عادية*تحذير رئيس الدولة من إمكانية نشوب حرب أهلية يدل على عمق الأزمة السياسية والدستورية التي يغذّيها عناد وإصرار الإئتلاف الحكومي*كلما توسع الحراك الشعبي الإحتجاجي كلما اكتسبت المحكمة العليا ثقة بالنفس أكثر للتدخل وإلغاء “التعديلات”كتعديلات غير دستورية*إسقاطات التغييرات القضائية المقترحة ستعمّق من التمييز ضد المواطنين العرب وستفتح المجال للمزيد من القوانين العنصرية*

 محمد عوّاد


ما أن قدّم رئيس الدولة يتسحاق هرتسوڠ اقتراح التسوية للتغييرات في الجهاز القضائي والتشريعات التي تهدف الى إحداث انقلاب في الحُكم, حتى سارع الائتلاف الحكومي الى رفضها, فمنهم من قال إنّ اقتراح التسوية يعزّز الوضع القائم في الجهاز القضائي (نتنياهو), ومنهم من قال إنّ هذا الإقتراح هو لرئيسة المحكمة العليا استر حايوت وليس لرئيس الدولة بل تسوية (ميري زيڠڤ), ومنهم من قال إن الائتلاف لا يمكنه قبوله ولكن علينا تليين وتعديل بعض بنود “الإصلاحات القضائية” (داڤيد بيتان).

حول هذا الموضوع أجرينا هذا اللقاء مع عضو الكنيست السابق الحقوقي د. يوسف جبارين.

 

الصنارة: اقتراح رئيس الدولة لتسوية الخلاف بخصوص التشريعات لإحداث انقلاب في الجهاز القضائي ونظام الحكم شملت تحصينات لقوانين أساس وبضمنها قانون القومية ولم تشمل أي ذكر للمواطنين العرب ولا لموضوع المساواة . بالنسبة لنا خيبة أمل وقد رفضها الائتلاف الحكومي..

د. جبارين: رئيس الدولة أطلق على المستند الذي طرحه اسم “تسوية الشعب” (מתווה העם) والتسمية بحد ذاتها إشكالية, فهو لم يُشرك على أرض الواقع المختصين والمهنيين العرب في البلاد ولم يُجر حوارا مع الأحزاب العربية في هذا السياق  وبالتالي هي تسوية يهودية حصرية. كذلك فإن كلمة تسوية لا تعكس مضامين المستند بل جاءت لتخفيف حدّة مقترحات الائتلاف الحكومي وليست تسوية. فموقف المعارضة أصلاً هو إلغاء كل هذه التغييرات في المستند وهو الموقف القائل إنه لا يوجد أي سبب للتغييرات المقترحة من قبل اليمين وإنه إذا كانت هناك, أصلاً,  حاجة للتغييرات فيجب أن تكون بالاتجاه العكسي.

 

الصنارة: بمعنى؟

د. جبارين: بمعنى تقوية المحكمة العليا والأجهزة القضائية وتحديد صلاحيات الائتلاف الحكومي, المنطلق الأساسي يجب أن يكون عدم التعامل وعدم التعاطي مع مقترحات الائتلاف الحكومي وليس التخفيف من حدّة وتطرّف هذه المقترحات. وهنا أنوّه بأنه لو جاءت مقترحات رئيس الدولة بشكل مستقل في بداية هذا النقاش لتمّ رفضها بشكل قاطع لأنها تُضعف الجهاز القضائي وأجهزة المراقبة والضغط على الحكومة.

 

الصنارة: على سبيل المثال؟

د. جبارين: خذ مثلاً تحصين قوانين الأساس بحيث أن المحكمة العليا لا تتمكن من التدخل بها. صحيح أن رئيس الدولة يتحدث على مصادقة بأغلبية 80 عضو كنيست (في القراءة الرابعة) ولكن نحن كحقوقيين في مجال حقوق الإنسان نعرف أن في الكثير من القضايا خاصة فيما يتعلق بالاستيطان وتوسيع الاحتلال ومكانة المواطنين العرب والمسّ بحقوقهم فلن تكون صعوبة   في إيجاد دعم 80 عضو كنيست وهي أغلبية موجودة اليوم داخل هذه الكنيست في قضايا داخل الإجماع القومي الصهيوني. وبالتالي فإنّ منع المحكمة العليا من التدخّل فيه تراجع كبير في هذا السياق وأضف الى ذلك أن مقترح الرئيس يصعّب على إلغاء قوانين للكنيست لأنه يشترط دعم 7 قضاة من أصل 11 من أجل إلغاء قانون وهذه الأغلبية صعبة المنال بحسب التركيبة الحالية والمستقبلية للمحكمة العليا, ما يعني أن قوانين الأساس ستكون محصنة, من ناحية, ومن ناحية أخرى سيكون من الصعب إبطال قوانين عادية وهذا يصب باتجاه إضعاف جدي للمحكمة العليا كما يسعى اليه الائتلاف الحكومي الحالي.

 

الصنارة: ومع كل هذا الائتلاف يرفض هذه التسوية!

د. جبارين: صحيح أن الائتلاف يرفض هذه التسوية لأنه يريد سيطرة حصرية وشمولية على كل الأجهزة القضائية بينما التسوية تضمن إضعاف الجهاز القضائي ولا تضمن سيطرة أوتوماتيكية للائتلاف الحكومي.

 

الصنارة: رئيس الدولة حذّر من نشوب حرب أهلية وقال إنّها ليست بعيدة الحدوث. هل هذا ممكن وأيضاً ,هل قد يفتعل نتنياهو أزمة خارجية كأن يقوم بحملة عسكرية واسعة في لبنان، وهل ممكن أن تكون العملية التفجيرية قرب مجيدو التي نُسبت الى لبناني مفتعلة أصلاً؟

د. جبارين: في إسرائيل حصلت الكثير من السوابق التي لجأت فيها حكومات إسرائيل الى اشتعال وتصادم خارجي والمبادرة الى خلق قضية خارجية, بمعنى تصدير الأزمة الداخلية الى الخارج ومن أجل حرف الأنظار عن القضايا الداخلية لمصلحة قضايا خارجية ترتبط مباشرة بادعاءات “الأمن الإسرائيلي “و”المصلحة القومية والجماعية” الإسرائيلية. إنني أُحذّر فعلاً من هذا السيناريو سواء على الحدود الشمالية أو على حدود غزة وكل ما يتعلق بالاعتداءات على شعبنا الفلسطيني, خاصة في ظل استمرار التحريض حتى على شهر رمضان الفضيل مما يمهّد  الأجواء لعمليات ضد أهالينا على طرفي الخط الأخضر. وبالنسبة لإمكانية حدوث حرب أهلية, فليس من المفهوم ضمناً أن يتطرق رئيس دولة في إسرائيل الى هذا السيناريو كسيناريو ممكن ويقول بأنه غير مستبعد. برأيي هذا يدل فعلاً على عمق الأزمة السياسية والدستورية الآن في إسرائيل. وهذه الأزمة يغذيها عناد وإصرار الائتلاف الحكومي على تنفيذ التغييرات القضائية المتطرفة وإذا ما واصل الائتلاف بقيادة ليفين وروتمان وسموتريتش الإجراءات التشريعية, وهو الآن يقترب من القراءة الثانية والثالثة في العديد من مقترحات القانون, فهذا سيؤدي حتماً الى أزمة في نظام الحكم وهذه الأزمة ستلقي بظلالها على التوتّر الداخلي في إسرائيل وعلى تعاظم الحراك الشعبي الجماهيري الذي أخذ مصطلح “حراك مقاومة” أمام تعنّت  ممثلي الائتلاف الحكومي. لذلك فإن سيناريو الصدام الأهلي وارد وإن لم يكن بمفهوم الحرب الأهلية بمعنى الحرب وإنما هذا الصدام المدني الذي سيكون في الشارع. 

 

الصنارة: ماذا سيحصل إذا تم إقرار جميع قوانين الانقلاب في الحكم وقامت محكمة العدل العليا بإلغائها؟

د. جبارين: من المهم التأكيد بأنه كلما توسّع وتفاقم الحراك الشعبي الاحتجاجي ضد التغييرات القضائية كلما اكتسبت المحكمة العليا ثقة أكثر بالنفس للتدخل وإلغاء هذه “التعديلات” كتعديلات غير دستورية بأنها تمسّ بمبدأ فصل السلطات وتعطي الائتلاف الحكومي صلاحيات متطرفة لا تتلاءم ومبادئ ديمقراطية أساسية. السيناريو الذي بحسبه ستُلغي العليا التعديلات التي يتم تشريعها وارد فعلاً وبعد الإلغاء سيكون على الائتلاف الحكومي أن يقرّر هل يحترم مبدأ فصل السلطات وقرار العليا أم أنه سيواصل تعنّته ويشرع بصدام مع قضاة العليا, الأمر الذي نرى أن اليمين يهيّئ الأجواء لمثل هذا الصدام. في هذه الحالة الكلمة الأساسية ستنقل الى أجهزة تنفيذ القانون وتحديداً الشرطة وعناصر الجيش والأجهزة الأمنية في البلاد التي ستحسم في هذا الصدام لأنها هي التي ستقرّر أي أوامر ستنفّذ: أوامر الحكومة وزرائها أم أوامر المحكمة العليا.

هذا السيناريو التصادمي هو ما يدفع الآن رئيس الدولة وأذرع أمنية في إسرائيل الى محاولة الوصول الى تسوية ومنع هذا التصادم الذي أصبح وشيكاً في الأسابيع القريبة مع استمرار عمليات التشريع.

 

الصنارة: وأين نحن، المواطنين العرب، في خضمّ هذه الأمور؟

د. جبارين: لا يختلف اثنان بأنّ إسقاطات التغييرات القضائية المقترحة ستعمّق من التمييز ضد المواطنين العرب وستفتح المجال للمزيد من القوانين العنصرية ومن السياسات التي تستهدف مكانة وحقوق المواطنين العرب. ولكن لا نرى حضوراً شعبياً جماهيرياً قوياً للمواطنين العرب في عملية الاحتجاج.

 

الصنارة: ما السبب؟

د. جبارين: جزء من المسؤولية تتحمله قادة الاحتجاج الذين يصرّون على إبراز الرموز اليهودية الصهيونية في نشاطاتهم الاحتجاجية وكذلك على تبنّي خطاب يتحدث عن الديمقراطية بشكل عام دون التطرق الى قضايا أساسية في أي نظام ديمقراطي وهي قضايا المساواة بين المواطنين واستحالة السيطرة على شعب آخر. لذلك على قادة الاحتجاج الشعبي تغيير خطابهم باتجاه خطاب ديمقراطي حقيقي وجوهري يشمل رؤية ديمقراطية حقيقية لكل المواطنين ويشمل كذلك قضية إنهاء الاحتلال على الشعب الفلسطيني. في هذا السياق أنا أقدّر كوادر الجبهة والحزب الشيوعي في مركز البلاد الذين يشتركون بشكل متواصل من خلال كتلة مستقلة داخل حركة الاحتجاج وهي الكتلة ضد الاحتلال, ويرفعون بشجاعة شعارات ديمقراطية حقيقية ومواقف تطرح البديل الديمقراطي الحقيقي وهذا لا يلغي أهمية المبادرة بشكل مستقل كجماهير عربية فلسطينية وكمبادرات مشتركة مع قوى ديمقراطية يهودية حقيقية الى نشاطات احتجاجية في بلداتنا أو على مفارق الطرق نطرح فيها مواقفنا وشعاراتنا وأعلامنا وطروحاتنا وأجندتنا السياسية. 

 

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا