بعد اليوم: لستم مضطرّين للمعاناة من إكزيما الجلد (“أتوبيك ديرماتيتيس”)

close up mother holding kids hands with allergic rash or eczema. severe allergic reaction, atopic skin
0 4٬325

بالرغم من أن مرض إكزيما الجلد (“أتوبيك ديرماتيتيس”) لا يشكّل تهديدًا على الحياة، إلا أنه يمسّ بشكل أساسي بجودة حياة الأشخاص الذين يعانون منه. ما هي نسبة شيوع المرض عند البالغين والأطفال؟ ما هي أعراضه وبماذا تتمثّل؟ ولماذا هناك الكثير من الأمل والتفاؤل – حاليًا – بفضل العلاجات الجديدة؟
“أتوبيك ديرماتيتيس” أو إكزيما الجلد، هو التهاب جلديّ مزمن وشائع بالأساس لدى الأطفال. بحسب الإحصائيات، 1 من كل 5 أطفال، على الأقل، يعاني من إكزيما الجلد في مرحلة مُبكرة من حياته. وتبيّن من بحث نشرت نتائجه عام 2017 أن 1% من المراهقين عانوا من المرض حتى عمر 17 عامًا. في بعض الحالات، يبقى مرض “أتوبيك ديرماتيتيس” متواجدًا حتى بعد فترة الطفولة، ويستمرّ بالظهور في أعمار أكبر. وتشير بيانات من العالم الغربي أن انتشار إكزيما الجلد لدى البالغين يتراوح بين 1%- 10%.
هنالك اختلاف في شيوع المرض في مناطق مختلفة حول العالم. فمثلًا في دول إسكندنافيا نسبة الأشخاص الذين تم تشخيصهم بالمرض تقدّر بحوالي 10%. وبحسب التقديرات هناك علاقة لظروف البيئة (برودة الطقس والظروف المناخية)، وكما يبدو، هناك أيضًا علاقة جينية لتفشّي المرض. توجد عوامل مختلفة وعديدة ومركّبة قد تكون السبب في ظهور هذا المرض، وهذا ما يجعله مرضًا معقّدًا ويحمل معه العديد من التحدّيات. وتشير الأبحاث إلى وجود علاقة ما بين الحالة الاجتماعية الاقتصادية وبين انتشار مرض “أتوبيك ديرماتيتيس”. ويتبيّن من الاستنتاجات أنه كلّما كانت الحالة الاقتصادية مرتفعة أكثر يزداد خطر الإصابة بالمرض.
عند غالبية الأولاد، يظهر المرض في جيل مبكر جدًا، ولدى 60% من الأولاد المرضى يظهر المرض في السنة الأولى من حياتهم. من المهم أن نعرف أن الحكّة لا تكون عارضًا بارزًا عند الأطفال، وبدلًا منها يعاني الطفل من الشعور بعدم الهدوء والراحة، ويظهر المرض على شكل طفح جلديّ أو تقشّر للجلد، وأحيانًا مع إفرازات وقشور، خاصةً في منطقة الوجه والعنق، الأطراف والظهر.
إحدى علامات تفاقم المرض هي بكاء الطفل لمدّة طويلة، وشعوره بعدم الهدوء والراحة وعدم قدرته على النوم. في أعمار مبكرة، تكون عوارض المرض مختلفة من تلك التي عند البالغين، ولذلك من المهمّ التوجّه إلى طبيب جلد للتشخيص والحصول على علاج مبكر قدر الإمكان. ودلّت الأبحاث على أن الأولاد الذين يعانون من “أتوبيك ديرماتيتيس” يواجهون أيضًا صعوبة في التركيز والدّراسة، في أعقاب المعاناة الناجمة عن المرض.
أما عند البالغين فيظهر المرض على شكل حكّة غير قابلة للسيطرة، جفاف بالجلد، وطفح جلدي (في مناطق بعينها مثل الكوعين، ثنايا الركبتين، الرقبة، اليدين، تحت الأذنين، الجفون وما أشبه) وفي حالات معيّنة تظهر عوارض مثل القشور وإفراز سوائل في الجلد نتيجة الالتهاب أو التلويث. تشخيص المرض يتم من قبل طبيب الجلد وهو يرتكز على المميّزات التي تظهر في الفحوصات الجسدية. أولًا، يسأل الطبيب المتعالج عن تاريخ الأمراض العائلية، أو أمراض مزمنة تميّز المتعالجين الذين يعانون من المرض. ويكون أبناء والدين أو اخوة لديهم قابلية للإصابة بـ “أتوبيك ديرماتيتيس” أو بأمراض حساسية جلدية أخرى أكثر عرضة للإصابة بالمرض.
بالإضافة، ترافق مرض “أتوبيك ديرماتيتيس” أمراض أخرى مثل الربّو، التهاب القصبات الهوائية، الرشح التحسّسي، التهاب العين التحسّسي وما شابه. ثانيًا، يقوم الطبيب بفحص إذا ما كانت هناك عوارض أخرى مثل جفاف الجلد، تغييرات في البياض الذي حول الفم، أو وجود بقع بيضاء على الوجه. ثالثًا، في مرحلة التشخيص يحاول الطبيب الكشف عن الأسباب التي تؤدّي إلى تفاقم المرض. أهالي الأولاد المصابين بإكزيما الجلد يشاركون بأن المرض يتفاقم عند التعرّق ولدى التعرّض لظروف مناخية حادّة (طقس بارد، حار، رطوبة منخفضة) وانكشافهم على حيوانات.
بعكس أمراض أخرى، لا توجد حاجة لفحص دم لتشخيص “أتوبيك ديرماتيتيس”، وبالإمكان إجراء فحوصات دم للتأكّد من وجود المرض، إلا أن هذا الفحص غير ضروري وهو غالبًا لا يستخدم كأداة لتوقّع الاستجابة للعلاج. في الحالات التي توجد بعض الشكوك بخصوص التشخيص، يتم أخذ عيّنة من منطقة الطفح الجلدي، من أجل تأكيد أو نفي وجود المرض.
“أتوبيك ديرماتيتيس” هو مرض غير خطير، لكن من المهم أن نتذكّر أمرين: الأول- هذا المرض قد يصل إلى وضع فيه يصاب الجلد بضرر شديد، ومن الممكن أن يسبّب الجروح وجعل الجلد معرّضًا للالتهابات التي قد تشكّل خطرًا على حياة المريض. بالإضافة، الجلد المصاب يواجه صعوبة في تنظيم درجة حرارة الجسم والأملاح. الثاني- عدا عن الحكّة والطفح الجلدي، يعاني مرضى “أتوبيك ديرماتيتيس” من أمراض أخرى، حيث تمسّ بجودة حياة المرضى، ومن هنا لن نتفاجأ بوجود علاقة قوية ما بين الاصابة بمرض “أتوبيك ديرماتيتيس” والاكتئاب واضطرابات الهلع والذعر.
في غالبية الحالات، قد يختفي مرض “أتوبيك ديرماتيتيس” في جيل الطفولة من تلقاء ذاته. وفي حالات أخرى يبقى المرض أيضًا حتى عمر متأخّر أكثر. أساس العلاج هو تقديم شرح حول المرض ومعلومات عن أسس العلاج: صحيح أنه لا يوجد علاج شافٍ من المرض، إلا أنه توجد أدوات تمكّن من السيطرة عليه بطريقة فعّالة وعلاجه في حالة تفاقمه. أولًا، يجب تقديم شرح عن معالجة الجلد المصاب، الذي يحتاج إلى الترطيب بشكل ثابت بواسطة مرطّب يساعد على تخفيف الأعراض، وذلك لأن الجلد المتضرّر يفقد من رطوبته ومن قدرته على ترطيب ذاته فيتشقّق ويصاب بالجروح. ثانيًا، ينبغي أن نوضح للمتعالج بأن هناك محفّزات قد تفاقم المرض، وبالتالي يجب تجنّبها قدر الامكان، مثل المناخ المتطرّف، التهاب الجلد، ارتداء أنواع معيّنة من الأقمشة، الانكشاف لفراء الحيوانات وما شابه.
بالإضافة، توجد علاجات دوائية موضعية ترتكز على المنشّطات وهي فعّالة وأساسية كجزء من العلاج، إلا أنه يجب اعطاؤها وفقًا لحدّة المرض، وبحسب توجيهات وإشراف طبيب جلد. هنالك أيضًا مستحضرات موضعية ليست من المنشّطات، والتي بالإمكان الاستعانة بها بحسب توصية طبيب الجلد. وسيلة إضافية للتعامل مع مرض “أتوبيك ديرماتيتيس” هو العلاج بالضوء (علاج بواسطة أشعّة ضوء فوق بنفسجية). يُعطى هذا العلاج في العيادات في جميع أنحاء البلاد وبواسطته يتم استغلال التأثيرات العلاجية لأشعة الـ UV. في الحالات التي تستجيب للعلاج بشكل جيّد، يمكن اللّجوء إلى أدوية مضادّة للالتهابات يتم أخذها عن طريق الفم أو بالحقن. في السنوات الأخيرة أضيفت علاجات تبشّر بتغيير جذري في مجال “أتوبيك ديرماتيتيس”. هذه العلاجات البيولوجية الحديثة تحبط عمل المسبّبات الالتهابية التي تؤدّي للمرض، وتخفّف بشكل كبير من أعراضه. وهناك العديد من الأبحاث التي أثبتت حصول تحسّن في مؤشّرات الالتهاب وشدّته عند المرضى الذين تلقّوا هذه العلاجات.
لمعلومات إضافية يجب استشارة طبيب الجلد.
الكاتب هو طبيب كبير ومدير عيادة “أتوبيك ديرماتيتيس” في قسم أمراض الجلد والجنس في مركز “شيبا” الطبّي في “تل هشومر”.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا