“الزند”.. الدراما التي صنعت بكثير من الحب والجمال والذكاء

0 5٬160

لم يكن مسلسل “الزند – ذئب العاصي” مجرد دراما عادية أو مسلسل من ضمن عشرات المسلسلات التي عرضت في شهر رمضان المبارك بل شكّل المسلسل حالة فنية وجماهيرية مميزة وحتى الخلاف حول مدى أهمية العمل كان له رونقه وكان خلافاً يتسم بالنقاش اكثر منه الهجوم.

الصورة في الزند تتكلم حباً وإبداعاً وعشقاً

“الزند” بكل جماله كان مادة دسمة للنقاش والشد والجذب وهذا بحد ذاته نقطة قوة تحسب للمسلسل..فأن تكون مثار نقاش فأنت صنعت مادة فيها من الأفكار ما يجعلها تسكن ذهن المتلقي فتحرك في داخله جدلية الحوار وهذا ما استطاع صناع العمل فعله ولكن هل اتى ذلك من فراغ بالطبع لا. البداية من التحفة الفنية الإخراجية التي قدمها سامر البرقاوي.. هذا الرجل يصنع مجداً اخراجياً مميزاً في العمل.. يراكم خبرة وتجربة ومعرفة تبدو في حالة صعود عمودي مذهل.. فقيمة المخرج الحقيقية تكمن في عدم الاستكانة لنجاح أو تقديم نفسه بصورة نمطية وهو ما يبتعد عنه البرقاوي.. في كل عمل يصنع البرقاوي حكايته الإخراجية المختلفة ويصنع إبهاره البصري المذهل ولكن هل الإبهار البصري هو بيضة القبان… بالتأكيد لا.. ولكن الإبداع أن توظف هذا الإبهار في خدمة الحكاية وإدارة الممثلين والكوادر التي تفيض بالجمال.. باختصار.. الصورة في الزند تتكلم حباً وإبداعاً وعشقاً.. البرقاوي قدم حكاية بصرية إخراجية تتلاءم مع طبيعة العمل فكانت قيمته الإبداعية انه حوّل الورق إلى روح.. تعمق بالحكاية وحوّلها إلى حلم طويل جميل بعين تعرف سر ومكمن الجمال فكان نتاجاً فنياً ترفع له القبعة.

يؤمن تيم جيداً ان الشخصية تبنى بالعقل قبل الجسد

ولكن هل يمكن صنع كل ذلك بدون وجود جهة تؤمن أن الفن صنعة محترمة تقدم رسالة فنية وإبداعية وترفيهية وتؤمن أن المال إذا وظف بشكله الصحيح سيقدم ساعات درامية يتذكرها الناس طويلاً.. بالطبع لا وهو ما فعله المنتج صادق الصباح الذي يعرف جيداً ان الضخامة الإنتاجية مطلوبة ولكن ضمن شروط فهم الصنعة وطبيعتها فكانت العناية الإنتاجية واضحة وجلية ولكنها في مكان.. لا مجرد استعراض للبذخ الإنتاجي بل فهم حقيقي لما يتطلبه العمل وتقديمه بصورة تليق باسم صناعه جميعاً. ويبقى حضور السعفة الذهبية ربما هو اللقب الأقرب للنجم السوري تيم حسن.. له نكهته الفنية الخاصة.. هو ممثل بقيمة فنية عالية رجل يدرك أن التمثيل موهبة وفكر وعمق وأن للشخصيات الدرامية أبعادها وقيمتها ولا يجب ان يكون صناعها مجرد مؤدي.. يؤمن تيم جيداً ان الشخصية تبنى بالعقل قبل الجسد وأن التمثيل ليس مجرد تحرك أمام الكاميرا.. يدرك أنه يصنع اسماً أحبه الناس وحملوه مسؤولية… قد يخرج تيم عن نطاق الفكرة قليلاً او يتجاوز بعض المفاهيم ولكن الدراما التلفزيونية ليست فيلماً وثائقياً.. الخيال هنا متاح وجميل ويعطي للفكرة أبعادها وبالأصل قيمة الممثل بما يملك من خيال وهنا تبرز عقلية تيم حسن.. الرجل قدم الزند بشخصيته الطبيعية لا المصطنعة.. تجاوز في خياله ولكنه اعطى التجاوز بعداً جمالياً.. لم يقل تيم أو كاتب العمل عمر أبو سعدة أنهما يوثقان التاريخ بل سيستلهمان أفكاراً ويبنيان عليها مسلسلاً بكثير من الشغف والحب..

بلحظات قوته وجبروته بقي قلبه حاضراً

كان أداء تيم ينقسم بين التحول الجسدي والنفسي ويقدر قيمة التحولات الكبرى التي مر بها عاصي فعمل على تفاصيل الشخصية نفسياً وحركياً حتى بلحظات قوته وجبروته بقي قلبه حاضراً وحتى عند موت قلبه بقيت عاطفته جياشة.. لم تكن حركات الزند وانفعالاته مجرد استعراض أمام الكاميرا فعاصي الفلاح القروي البسيط صنع المجد بقوته وفكره والظروف التي واجهته ولكنه بقي الفلاح وهنا تكمن قيمة الممثل الذي لا يخرج الشخصيات من ثوبها الحقيقي لأن الخروج منها يعني دمارها. أما التدرج بالتعاطي الانفعالي جسدياً ونفسياً وهو ما كان يفعله تيم فهو ما يعطي الشخصية منطقتها.

تيم حسن وسامر البرقاوي – الصورة من حساب تيم على انستغرام

 

أنس طيارة.. قادم ليكون بين نجوم الصف الأول

على المقلب الآخر كان التميز عنواناً حاضراً لكل نجوم العمل وفي مقدمتهم أنس طيارة هذا الشاب الذي يقول بكل علانية أنه قادم ليكون بين نجوم الصف الأول يبرع أنس في أداء دوره بطاقة كبيرة سواء بتحضيرها على الصعيد النفسي أو على صعيد حركات الجسد وحتى على صعيد ردود الأفعال النفسية وهو ما شكّل مع تيم ثنائية مميزة بتناغمها.. يجيد انس فن أداء الممثل ويطوع شخصية “نورس باشا” ببراعة كبيرة وبالمقابل يبدو أنس أنه قام ببحث فعلي في تفاصيل الشخصية فقدم أداءً لافتاً جداً. وهو ما ينسحب على أداء النجم القدير فايز قزق الذي يزداد لمعاناً وحضوراً في كل موسم ونفس الامر ينطبق على حضور الفنانة نانسي خوري التي قدمت دورها بإتقان عال وأيضاً الحضور المميز لنجوم العمل مجد فضة، جابر جوخدار، يحيى بيازي، كرم شنان، باسل حيدر، وسام رضا، بيدرو برصوميان والفرزدق ديوب. فكل من نجوم العمل أتقن دوره ببراعة كبيرة وقدم شخصيته ضمن منطق أدائي يناسب الحكاية فكانت عملاً مميزاً وإن لم يخل الأمر من بعض الملاحظات هنا وهناك ولكن بالمجمل كنا أمام حكاية صيغت ببراعة ونقلت شخصية البطل بمستويات مختلفة على المستوى الذهني وعلى مستوى الأفعال ولعل التبدلات التي عاشها عاصي ليصل فيه الأمر لقتل صديقيه اللذين أنقذا حياته كانت دليلاً على أن النص حيك ليخوض في عوالم النفس البشرية من منطق المصلحة لا من منطق الخير المطلق او الشر المطلق فكان عاصي ومن حوله شخصيات حياتية تشبه البشر ولم تكن مجرد دمى تصنع الخير او تخلق الشر فقط..

نحن أمام دراما صنعت بحرفية عالية

بكل الأحوال قد يتفق البعض مع الحكاية أو قد يختلف معها. قد ترضي بعض التفاصيل شغف قسم من المتابعين وبعضها لا يرضي شغف القسم الآخر ولكن بالمجمل نحن أمام دراما صنعت بحرفية عالية وبمستوى إنتاجي وإخراجي وتمثيلي على مستوى رفيع ومتقن جداً لا بد من احترامه وتقديره. وهنا باختصار نحن أمام وصفة المنتج الذكي والمخرج المثقف والنجم العارف والكاتب الباحث ليكونوا أعمدة صناعة مشروع نجاح تشابك بقية صناعه من ممثلين وممثلات وفنيين لصنع تلك اللوحة الجميلة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا