التصويت العربي ما بين الحق والواجب والمقاطعة!

0 2٬623

محمد عوّاد

الإقتراع والمشاركة في الانتخاب حق من حقوق المواطنة في الدول التي فيها نظام ديمقراطي وبإمكان المواطن أن يستخدم هذا الحق أو أن يتنازل عنه. في بلادنا نعيش, نحن فلسطينيو الداخل كأقلية قومية لا تحظى بالمساواة ، ومؤخراً تم تعميق الهوّة والتمييز والتعامل معنا من خلال منظار أمني وكخطر ديموغرافي وسط سن واستخدام أنظمة وقوانين ذات طابع عنصري وتمييزي مثل قانون القومية وقانون كامينيتس, وكأن الإهمال والتمييز الذي تعاملت بهما حكومات إسرائيل المُتعاقبة لا تكفي. هذا التعامل المجحف والأوضاع المعيشية وأزمات السكن التي تعاني منها كل بلداتنا العربية وآفة العنف والجريمة المستفحلة, بالإضافة الى التمييز اليومي كل هذا كان من المفروض أن يجعل  الحق (حق التصويت) واجباً حتمياً, أوّلاً لأنه الحالة الوحيدة التي نتساوى فيها مع المواطنين اليهود في الدولة, وثانياً كي يكون لنا ممثلون في السلطة التشريعية لتمثيلنا هناك ولتشريع قوانين تعود علينا بالفائدة ولمواجهة غلاة المتطرفين الذين يحلمون بتصفيتنا.

الأمر المستهجن من نمط التصويت في المجتمع العربي هو أنّ كل الأقليات في معظم دول العالم التي فيها نظام حكم ديمقراطي تفوق نسبة التصويت لديها نسبة تصويت الأغلبية ،أما عندنا فلم تكن, ولا مرة واحدة, نسبة التصويت أعلى من نسبة تصويت الأغلبية. وفضلاً عن ذلك فإن هناك مقاطعة “أديولوجية” لانتخابات “الكنيست الصهيوني”, ومقاطعة احتجاجية على سلوك أعضاء الكنيست المنتخبين “الذين لم يفلحوا بتحقيق المساواة للمواطنين العرب”, كما يدّعون, وهذه المرّة هناك حملات تشجّع المقاطعة مموّلة ،على ما يبدو، من قبل جهات يمينية تغذّي هذا التوجّه.

المواطنون العرب تفاءلوا خيراً عندما تشكلت القائمة المشتركة ثم تذمروا عندما انقسمت أوّل مرّة, ثم عادوا واستبشروا خيراً عندما تشكلت من جديد بمركباتها الأربعة, ثم جاء الانقسام مرّة أخرى بعد خروج الموحدة, وهذه المرّة حصلت شرذمة للأحزاب بعد خروج التجمع من المشتركة, ممّا أدى الى اتخاذ الكثيرين قرار المقاطعة. ولكن مع اقتراب موعد الانتخابات يبدو أن هناك صحوة وقد ترتفع نسبة التصويت وتتخطّى نسبة 52% – 55% حسب الاستطلاعات الأخيرة. التحدي الأكبر اليوم أمام الأحزاب العربية هو رفع نسبة التصويت في المجتمع العربي, أما حزب الليكود ونتنياهو فإن إستراتيجيتهما هي تنويم الصوت العربي لضمان تفوّق اليمين واليمين المتطرف مع سموتريتش وبن ڠڤير…

عدد  أصحاب حق الاقتراع العرب في البلاد حوالي مليون وخمسين ألفاً من أصل 6 ملايين و 750 ألفاً ونسبتهم تعادل حوالي 16%, واذا تساوت نسبة المصوتين العرب مع نسبة المصوتين اليهود وصبّت كلها في صالح الأحزاب العربية فإنها تساوي 18 – 19 مقعدا في الكنيست، عندها أي حكومة ستقام تكون مرتبطة بهم, وإذا أتقن هؤلاء  اللعبة السياسية يمكن تحقيق الإنجازات للمجتمع العربي بحكمة دون التنازل عن الثوابت الوطنية.

الأمر المستغرب والمستهجن الآخر في نمط التصويت العربي هو أن هناك مجموعات شبابية من الذين سيصوتون لأول مرّة يعلنون أنهم سيصوتون لأحزاب صهيونية بذريعةً أنّه لا جدوى من التصويت لحزب عربي ما دام سيوصي في نهاية المطاف على زعيم حزب صهيوني لتشكيل الحكومة. إنه تسويغ سطحي ولا مجال للخوض فيه ومناقشته.

بالمقابل، هناك حملات لتشجيع المجتمع العربي على التصويت, وهي أيضاً ممولة من جهات أمريكية وغير أمريكية, وتقوم بها جمعيات مدنية مختلفة, وواضح أنها تصبّ في صالح المركز – يسار.

ما بين الحق والواجب والمقاطعة ستفرز الانتخابات يوم الثلاثاء القادم نتائج  كارثية في حال لم تفلح ولا قائمة عربية من عبور نسبة الحسم هذا اذا  بقيت نسبة التصويت العربي متدنية, وبذلك تُقدّم لبنيامين نتنياهو هدية تشكيل الحكومة على صينية من ذهب.

الإمكانية الثانية هي  ألا تفرز هذه الانتخابات نتائج محسومة لنعود في غضون أشهر معدودة الى انتخابات سادسة خلال 4 سنوات, وهنا تكون إمكانية لإعادة توحيد وبناء المشتركة من جديد وبقوة وبقيادة جديدة من كل الأحزاب.

أما إذا اجتازت قائمتان عربيتان أو كل القوائم الثلاث نسبة الحسم فإنّ حظوظ أحزاب المركز – يسار لتشكيل الحكومة القادمة كبيرة وعندها سيكون أمام الأحزاب العربية وضع أهداف مشتركة لتحقيقها لصالح المجتمع العربي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected] - [email protected]

قد يعجبك ايضا